إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه. logo لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك. إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به) (يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم. اختار بعض العلماء أن وقت الختان في يوم الولادة، وقيل في اليوم السابع، فإن أخر ففي الأربعين يوما، فإن أخر فإلى سبع سنين وهو السن الذي يؤمر فيه بالصلاة، فإن من شروط الصلاة الطهارة ولا تتم إلا بالختان، فيستحب أن لا يؤخر عن وقت الاستحباب.أما وقت الوجوب فهو البلوغ والتكليف، فيجب على من لم يختتن أن يبادر إليه عند البلوغ ما لم يخف على نفسه
shape
التعليقات الزكية على العقيدة الواسطية الجزء الثاني
66991 مشاهدة print word pdf
line-top
1- الإيمان بفتنة وعذاب القبر

[فصل: ومن الإيمان باليوم الآخر: الإيمان بكل ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم مما يكون بعد الموت فيؤمنون بفتنة القبر، وبعذاب القبر ونعيمه.
فأما الفتنة، فإن الناس يُفْتَنُون في قبورهم، فيقال للرجل: من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟
فيثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، فيقول المؤمن: الله ربي، والإسلام ديني ومحمد صلى الله عليه وسلم نبيي.
وأما المرتاب فيقول: هاه هاه، لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئا فقلته، فيضرب بمرزبة من حديد، فيصيح صيحة يسمعها كل شيء إلا الإنسان، ولو سمعها الإنسان لصعق.
ثم بعد هذه الفتنة إما نعيم وإما عذاب، إلى أن تقوم القيامة الكبرى، فتعاذ الأرواح إلى الأجساد] .



(الشرح)* قوله: (فصل: ومن الإيمان باليوم الآخر الإيمان بكل ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم مما يكون بعد الموت، فيؤمنون بفتنة القبر وعذاب القبر ونعيمه ...) : من عقيدة المسلمين الإيمان باليوم الآخر، وهو ركن من أركان الإيمان. ويدخل في الإيمان باليوم الآخر: الإيمان بكل ما بعد الموت، فيدخل في ذلك:
أولا : كيفية قبض الأرواح، من نزول الملائكة، إما ملائكة العذاب أو ملائكة النعيم، ومن استخراجهم للروح، وكيفية قبضها كما هو مذكور في الأحاديث.
ثانيا: عذاب القبر ونعيمه، وهو أن الميت يعذب في البرزخ أو ينعم، سواء قُبِرَ أم لم يُقْبَر، فإن كان من أهل الخير ناله النعيم والفرح والسرور، وإن كان من أهل الشر ناله العذاب والألم والحزن الشديد، ويبقى كذلك كل منهما في هذا البرزخ الذي هو بين الدنيا والآخرة.
ويؤمن المؤمنون بأن هذا البرزخ حاجز بين الدنيا والآخرة، وأن الإنسان بعد مفارقته للدنيا لا تنعدم روحه، أما بدنه فإنه ينعدم ويفنى، قد تأكله الأرض ويصير ترابا ورفاتا، وقد يحرق ويذرى ولا يبقى له بقية، ولكن روحه تبقى، وهي التي يكون عليها العذاب والنعيم، ويقدر الله أن يوصل إلى بدنه- ولو كان ترابا- ما يتألم به أو ما يتنعم به.
ويقسم العلماء اتصال الروح بالبدن إلى خمسة أقسام:
الاتصال الأول: اتصال في الرحم، فإذا كان الإنسان في الرحم فللروح به اتصال ولكنه ضعيف، ولهذا يتحرك الجنين في بطن أمه.
والاتصال الثاني: في الدنيا، وهو اتصال كامل مُشَاهد.
والاتصال الثالث: في النوم، فإن النائم قد تفارقه روحه، ولكن ليست مفارقة كلية.
والاتصال الرابع: في البرزخ أي بعد الموت، وهو نوع اتصال وإن كان غير مشاهد.
والاتصال الخامس: بعد البعث يعني في الآخرة، وهو أكملها وأقواها، وهو الذي لا يحصل بعده انفصال.
والأحكام في الدنيا تكون على الأبدان، ولكن الأرواح تابعة لها، والأحكام في البرزخ على الأرواح أصلاً، ولكن الأبدان تابعة لها، وأما الأحكام في الآخرة فإنها على الروح والبدن كليهما لكونهما قد اجتمعا اجتماعا كليا. فإذا مات الإنسان وخرجت روحه، بقيت إما معذبة وإما منعمة كما يشاء الله، إما في روضة من رياض الجنة، وإما في حفرة من حفر النار إلى أن يأذن الله بالبعث؛ والنشور- أي القيامة الكبرى-.

أما عذاب القبر ونعيمه فقد ورد مفصلاً في حديث البراء بن عازب الطويل الذي يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم : إن العبد إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة، نزلت إليه ملائكة من السماء بيض الوجوه، معهم أكفان من الجنة، وحنوط من الجنة، ويجلسون منه مد البصر، ويأتيه ملك الموت، فيقف عند رأسه ويقول: أيتها الروح الطيبة، كانت في الجسد الطيب، اخرجي إلى روح وريحان، ورب غير غضبان، فتُسَل روحه من جسده كما تُسَل الشعرة من العجين، فإذا أخذها لم تدعها الملائكة في يده طرفه عين، حتى يجعلوها في ذلك الحنوط وتلك الأكفان، ثم يصعدون بها إلى السماء، كلما مروا بملأ من الملائكة قالوا: ما هذه الروح الطيبة؟ فيقولون: روح فلان بن فلان بأحسن أسمائه التي كان يُسَمى بها في الدنيا، فيخرج منها كأطيب ريح وجدت على وجه الأرض، فإذا وصلوا بها إلى السماء واستفتحوا . فذكر أنه تفتح لهـا أبواب السماء وأن الله تعالى يقول: ردوا روح عبدي إلى الأرض فإني منهـا خلقتهم وفيها أعيدهم ومنها أخرجهم تارة أخرى . ثم ذكر سؤال الملكين له في قبره: من ربك؟ وما دينك؟ وما تقول في الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: ربي الله، وديني الإسلام، ونبيي محمد صلى الله عليه وسلم فيقولان له: صدقت، فيفرشان له من الجنة، ويوسع له في قبره مد البصر، ويفتح له باب إلى الجنة، فيأتيه من روحها وريحانها، فيقول: رب أقم الساعة، رب أقم الساعة فهو يتمنى أن تقام الساعة ليفوز بالمنازل المعدة له ويتمتع بذلك النعيم المقيم . هذه حال أهل السعادة عند الاحتضار.
ثم ذكر ضد ذلك فقال: وإن العبد الكافر أو الفاجر إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة، نزلت عليه ملائكة سود الوجوه، معهم أكفان من النار، وحنوط من النار، فيجلسون منه مد البصر، فيأتيه ملك الموت ويقول: اخرجي أيتها الروح الخبيثة، كانت في الجسد الخبيث، فتتفرق روحه في جسده، فينتزعها كما ينتزع السفود من الصوف المبلول، فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين، حتى يجعلوها في تلك الأكفان وذلك الحنوط من النار، ويخرج منها كأنتن ريح وجدت على وجه الأرض.، فيصعدون بها إلى السماء، كلما مروا على ملائكة قالوا: ما هذه الروح الخبيثة؟ فيقولون: روح فلان بن فلان، بأقبح أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا، فإذا وصلوا إلى السماء لم تفتح لها، يقول الله تعالى: لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ [الأعراف: 40] فتطرح روحه طرحا قال الله تعالى: وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ [الحج: 31] فتعاد روحه في جسده، ويأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له: من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ فيقول: هاه هاه لا أدري، فيقال: لا دريت ولا تليت، فيضرب بمرزبة من حديد، وذكروا ثقلها وعظمها، فيصيح صيحة يسمعها كل شيء إلا الإنسان، ولو سمعها الإنسان لصعق، ثم يضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه، ويفتح له باب إلى النار، ويأتيه من حرها وسمومها ويقول: رب لا تقم الساعة فهذا هو أول منازل الآخرة.
فيؤمن المؤمنون بعذاب القبر ونعيمه، وأن القبر: إما روضة من رياض الجنة، وإما حفرة من حفر النار، وبأن عذاب القبر أو نعيمه حاصل ولا بد لكل إنسان، وبأنه سيناله ذلك، ولو لم يُقْبَر، ولو حرق، ولو أكلته السباع أو الطيور، فإنه لا بد أن يناله ذلك الألم أو ذلك النعيم؟ لأن حكم الآخرة غير حكم الدنيا، فالإنسان مُركب من جسد وروح، وهذه الروح بعد الموت عندما تخرج من الجسد، تبقى إما معذبة وإما منعمة، فأما الجسد فإنه كما هو مشاهد يفنى ويصير ترابا، ولكن لا يعجز الله شيء.
فالله تعالى قادر على أن يوصل إليه العذاب، حتى ولو كان ترابا، أو كان رفاتا، فليس هناك شيء يصعب على الرب: قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ [يس: 79] فهو عالم بأجزاء الإنسان وبتراكيبه، وقد أخبر بأنه لا بد سيجمع العباد بعد تفرق أشلائهم وأجزائهم، وسيعيدهم ويحييهم مرة أخرى للجزاء على أعمالهم التي عملوها وقدموها في الدنيا، وأخبر بأن هذه الدنيا مزرعة للآخرة، وأن الناس يعملون ويزرعون ويكتسبون لآخرتهم، ويتقربون إلى الله، فمنهم من هو في كل يوم يتقرب بالحسنات، ومنهم من يتقرب بالسيئات وبالأعمال الخبيثة التي تبعده عن الله ويكتب له بها شقاوته، فإذا انتقلوا من هذه الحياة لقوا جزاءهم، إما جزاء حسنا جزاء ما عملوا من الحسنات، وإما عقوبات وعذابا جزاء ما عملوا من السيئات، وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ [فصلت: 46] فليس الله تعالى يظلمهم، إنما هذا في جزاء أعمالهم فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ [الزلزلة: 7، 8].
كان كثير من الصحابة رضي الله عنهم ومن السلف إذا كانوا عند القبور بكوا وقالوا: إن القبر أول منازل الآخرة . ، أي به يعرف الميت حالته، إن كان من أهل الخير وإن كان من أهل الشر، إن كان من الذين يفتنون فيثبتون أو لا يثبتون، وقد قال العلماء: إن هذه الآية التي في سورة إبراهيم نزلت في عذاب القبر، وهي قوله تعالى: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ [ إبراهيم 27].
فإن المراد: يثبتهم في حال البرزخ، والبرزخ هو هذه المدة التي بين الدنيا والآخرة، التي هي كفاصل وحاجز بين الدارين، فيكون فيها العباد وقتًا محدودًا، ثم بعدما يتكامل الأمر الذي قدَّره الله، وتنتقل الحياة، وينتهي خلق ما قدر الله أنه سيخلق، بعد ذلك ينفخ بأمر الله تعالى في الصور ثلاث نفخات.
النفخة الأولى التي هي للفزع، وهي المذكورة في قوله: وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ [النمل: 87] والفزع هو الوجل والخوف، وذلك أنهم إذا سمعوا تلك النفخة؛ فزعوا وماج بعضهم في بعض خوفا وفزعا من تلك النفخة.
ثم تعقبها نفخة أخرى وهي نفخة الصعق أو الموت المذكورة في قوله: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ [ الزمر: 68] أي ماتوا .
ثم بعد ما يصعقون وتمضي عليهـم مدة، قيل: أربعون سنة أو نحوها، تكون النفخة الأخيرة، فيأمر الله تعالى الملك أن ينفخ في الصور نفخة البعث والقيام المذكورة في قوله: ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ [الزمر: 68] يعني فإذا الخلق كلهم أولهم وآخرهم قد بعثوا وجمعوا قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ [الواقعة: 49، 50] فالمؤمن يصدق بذلك كله على تفصيله.
وقد فصلت الشريعة أمور الآخرة، وكذلك ورد في القرآن كثير من تفاصيل أمور الآخرة التي لم تكن موجودة في الكتب الأخرى، وذلك دليل على أهمية الإيمان باليوم الآخر وعظيم شأنه.
والعبد متى آمن بهذا استعد له، فمتى صدقت بأن هذا القبر إما نعيم وإما جحيم، حملك ذلك على أن تتأهب بالأعمال الصالحة وبالعقيدة السليمة، حتى تنجو من العذاب، وحتى تسلم منه، وحتى تظفر بالنعيم الذي هو مقدمة بين يدي نعيم الآخرة.

line-bottom